إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
59962 مشاهدة
ذم من أول الصفات بقول الأخطل وغيره

...............................................................................


ثم يقول:
قبحا لمن نبذ الكتاب وراءه
وإذا استدل يقول قال الأخطل
القبح هو تقبيح الفعل. يعني: ما أقبح هذا الفعل، وما أبشعه وما أوحشه، وما أبعده، ما أبعد هذا القول بعيد وقبيح هذا الفعل الذي ينبذ كتاب الله تعالى خلف ظهره مثل قوله تعالى: وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ نبذوه خلف ظهرهم:
نبذوا كتاب الله خلف ظهورهم
نبذ المسافر فضلــة الآكال
نبذ كتاب الله، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- خلف ظهره:
.........................
وإذا استدل يقـول: قال الأخطل
يستدلون بقول الأخطل من هو الأخطل ؟ .
الأخطل شاعر نصراني ولو كان من شعراء العرب؛ لكنه اختار النصرانية وبقي على عقيدة النصارى، فيستدلون بشعره ويتركون الآيات والأحاديث الصريحة، فمن ذلك استدلالهم على الاستواء فيقولون: إن الأخطل يقول:
قد استوى بشر على العراق
من غير سيف أو دم مهراق
فيقولون: معنى استوى على العراق استولى.
فأولا: نقول لهم: تركتم اللغة الفصيحة وتركتم الآيات التي تدل على العلو، وعدلتم إلى قول هذا النصراني، وقدمتموه على كلام الله وعلى كلام نبيه صلى الله عليه وسلم.
ثم نقول ثانيا: إن هذا ليس بثابت. لم ينقل بسند صحيح أنه قاله، ثم نقول: لو قدر أنه قاله فإن المراد بالاستواء العلو. استوى على العراق يعني: ارتفع على العراق. استوى بِشْرٌ يعني استوى أي ارتفع على كرسي العراق وجلس واستقر عليه فهو الاستواء الحقيقي.
ثم إن بعضهم يقول: قد استولى يرويه قد استولى؛ ولكن صحفوه وحرفوه وجعلوه قد استوى، ومن شعر الأخطل الذي يستدلون به على الكلام أن القرآن ليس كلام الله بحروفه، وإنما كلامه المعاني يقولون إن الأخطل يقول:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما
جعل اللسان على الفؤاد دليلا
هكذا يستدلون فيقولون: إن الكلام ليس هو الحروف، ولكن الكلام ما في القلب وما يكون من القلب. هذا هو الكلام الحقيقي، وأما الحروف فإنها ليست هي الكلام لإن هذا الشاعر شاعر عربي يقول: إن الكلام لفي الفؤاد, والجواب أن نقول:
قبحا لمن نبذ الكتاب وراءه
وإذا استدل يقول: قال الأخطل
يقول ابن القيم في النونية:
ودليلــهم في ذاك بيت قاله
فيما يُقال: الأخطل النصرانـي
هذا هو دليلهم على أن القرآن هو المعاني، على أن كلام الله هو المعاني ليس هو الحروف.